اضطراب نقص الانتباه


اضطراب نقص الانتباه :
أعراضه وتشخيصه ومعالجته




إعداد الاستاذ الفاضل
حمادة عبد السلام



مقدمــة :
تعد مشكلات الانتباه إحدى الخصائص الأكثر ملازمة للأفراد ذوي الصعوبات التعلّمية، بل ويعتبرها بعض الباحثين أحد أنماط صعوبات التعلم الأساسية الأربعة التالية :-
1. مشكلات الانتباه .
2. صعوبات الإدراك البصري .
3. صعوبات المعالجة اللغوية.
4. صعوبات الحركات الدقيقة .

إلاّ أن باحثين آخرين، يرون أن صعوبات التعلم واضطراب نقص الانتباه مشكلتان منفصلتان مع أنهما قد تحدثان معاً في أحيان كثيرة.  ويقدرون بأن 20-25% من الأطفال ذوي الصعوبات التعلّمية لديهم اضطراب نقص الانتباه أيضاً.  أي أن كثيراً من الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه ليس لديهم صعوبات تعلّمية، كما أن الكثير من الأطفال ذوي الصعوبات التعلّمية ليس لديهم اضطراب نقص الانتباه.

ويميز الباحثون بين نوعين من اضطراب نقص الانتباه: اضطراب نقص الانتباه المصحوب بالنشاط الزائد، واضطراب نقص الانتباه غير المصحوب بالنشاط الزائد.  وفي عام 1987، أصبح يطلق على النوعين اسماً واحداً هو ٍ" اضطراب نقص الانتباه الصحوب بالنشاط الزائد" كما ورد في " الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية " الطبعة الثالثة، المنقحة ( جمعية الطب النفسي الأمريكية ).

والملامح الرئيسية لاضطراب نقص الانتباه عامة، هي : عدم الانتباه، والاندفاعية، والنشاط الزائد.  ولاضطراب نقص الانتباه دون نشاط زائد نفس ملامح اضطراب نقص الانتباه مع النشاط الزائد باستثناء غياب النشاط الزائد والسمات المرافقة له، فضلاً عن أن الصعوبة تكون عموماً، خفيفة .
ويقدر عدد الأطفال الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه 3-5% من أفراد المجتمع المدرسي.  وهؤلاء الأطفال يشكلون تحدياً كبيرا للوالدين والمعلم، إذ غالباً ما يحالون إلى المراجع المختصة لتلقي العون الدراسي أو الاجراءات التأديبية أو الحصول على خدمات الصحة العقلية .

وكان الاعتقاد السائد، في السابق، أن عدد الأولاد الذين لديهم اضطراب نقص الانتباه يفوق عدد الإناث اللاتي يعانين منه، بل إن بعضهم قدر بان نسبة الذكور إلى الإناث هي 1:9 .  أما اليوم، فيعتقد الكثير من المختصين بأن كلا الجنسين معرضان لخطر معاناة هذا الاضطراب بنفس النسبة، ولكن نظراً لأن الأطفال الذكور الذين لديهم هذا الاضطراب يظهرون سلوكاتهم العدوانية أو المعطلة على نحو يفوق ما تظهره الإناث، فإنهم يحالون للخضوع لإجراءات التقييم والحصول على خدمات التربية الخاصة ، وهذا ما حدا ببعض المختصين في هذا المجال في أن يطلق على البنات اللاتي يعانين من هذا الاضطراب " الأقلية الصامتة " .
ومع أن كثيراً من أعراض اضطراب نقص الانتباه قابلة للملاحظة من الطفولة المبكرة، إلاّ أنها أكثر وضوحاً في مواقف تستدعي نشاطاً عقلياً مستداماً.  ولهذا السبب، فإن كثيراً من حالات اضطراب نقص الانتباه تمرّ دون ملاحظة حتى يلتحق الطفل بالمدرسة.  وعلاوة على تدني التحصيل الدراسي الذي يعاني منه الطفل ذو اضطراب نقص الانتباه، فإنه يعاني من تأخر اجتماعي أيضاً، ولذا فإن هذا الطفل يتدنى تقدير الذات لديه ويبدأ ينظر إلى نفسه بأنه طفل فاشل دراسياً واجتماعياً في عمر مبكر .

وتؤثر اضطرابات الانتباه التي يعاني منها الطفل الذي هو في سن المدرسة أو سن المراهقة على السلوك، والأداء المدرسي، والتكيف الاجتماعي، والانفعالي.

فهذا الطفل معرض لأن يعاني من القلق والاكتئاب، إضافة إلى تدني الأداء المدرسي وانخفاض تقدير الذات، وهذه كلها عوامل تقلل من فرص إتمامه المرحلة الثانوية والالتحاق بالجامعة أو الحصول على عمل مرضٍ.

أعراض اضطراب نقص الانتباه :
تصنّف اضطرابات نقص الانتباه بمجموعة مشتركة من الأعراض.  وهنالك طرق مختلفة لتصنيف هذه الأعراض، وبعض هذه الطرق يركز على بعض هذه الأعراض أكثر من البعض الآخر.  ولا يوجد اتفاق تام بين المختصين فيما إذا كانت هذه الأعراض تشكل " تناذراً" .   أي هل ينبغي أن تكون هذه الأعراض جميعها مع بعضها البعض، أو أن هنالك إمكانية بأن يكون بعضها موجوداً لدى الطفل دون الأخرى؟ وهل بالإمكان أن نجد طفلاً ذا نشاط زائد وليس لديه صعوبة في الانتباه ؟.

هنالك نسبة عالية من الأطفال ذوي اضطراب الانتباه لديهم جميع هذه الأعراض التي سيتم تدوينها لاحقاً.  ومن الواضح أيضاً أن نسبة لا بأس بها من الأطفال يظهرون فقط بعض أعراض اضطراب نقص الانتباه.  وفيما يلي التصنيف الذي قدّمه " الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية " ( الطبعة الثالثة – منقحة ). ( الجمعية الأمريكية للطب النفسي ) .

1. غالباً ما يتململ معبراً عن ذلك بيديه أو قدميه أو يتلوى بجسده في المقعد.
2. لديه صعوبة في البقاء جالساً في مقعده عندما يطلب منه ذلك .
3. يتشتت انتباهه بسهولة بمثيرات خارجية .
4. لديه صعوبة في انتظار دوره في الألعاب أو المواقف الاجتماعية .
5. غالباً ما يجيب عن الأسئلة ( دون تفكير ) قبل انتهائها.
6. لديه صعوبة في اتباع تعليمات الآخرين (غير ناتجة عن سلوك معارضة أو الإخفاق في الاستيعاب).
7. لديه صعوبة في إدامة الانتباه في المهمات أو نشاطات اللعب .
8. غالباً ما ينتقل من نشاط غير مكتمل إلى نشاط آخر.
9. لديه صعوبة في العمل بهدوء.
10. غالباً ما يثرثر على نحو مفرط .
11. غالباً ما يقاطع الآخرين أو يتطفل عليهم، مثلاً يقاطع أو يتطفل على ألعاب الاخرين.
12. غالباً لا يبدو أنه يصغي لما يقال له .
13. غالباً ما ينسى أشياء ضرورية للمهمات أو النشاطات في المدرسة أو في البيت ( مثلاً، لعب، أقلام رصاص ، كتب ).
14. غالباً ما ينهمك في نشاطات جسمية خطيرة دون اعتبار للعواقب الممكنة( ليس بغرض طلب الإثارة ) مثلاً، يندفع نحو الشارع دون أن ينظر يمنة أو يسرة.
ويشترط لاعتبار هذه الأغراض دالة على وجود اضطراب نقص الانتباه ما يلي
‌أ. أن يتجلى ظهورها قبل سن السابعة .
‌ب. أن تستمر لستة أشهر على الأقل.
‌ج. أن يتوفر ثمانية أعراض على الأقل من الأعراض الأربعة عشر المذكورة أعلاه.
‌د. ألا تعود إلى الانفصام أو الاضطراب الانفعالي أو الإعاقة الحادة.
‌ه. أن تلاحظ الأعراض في كل من البيت أو المدرسة .
وهناك تصنيف آخر لأعراض اضطراب نقص الانتباه يتضمن الخصائص المختلفة المدونة فيما يلي:

ويعتبر العرض الأول، عدم الانتباه، أهم الأعراض كلها أو ما يسمى الجوهر Core   . وأما الأعراض 2-5 فهي تحدد المزاج– أو الشخصية – التي ترافق، في العادة، اضطراب نقص الانتباه ( وبخاصة المصحوب بالنشاط الزائد )، والبنود 6-8 تصف نتائج الأعراض الأخرى.

1. عدم الانتباه ( القابلية للتشتت ):
لدى الطفل ذي اضطراب نقص الانتباه سعة انتباه قصيرة جداً بالنسبة لعمره الزمني.  فهو لا يستطيع إدامة انتباهه على مهمة أو نشاط ما، وبخاصة إذا وجدها مملّة أو شبه مملّة.  ولسوء الحظ، فإن معظم الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه يمضون مقداراً كبيراً من وقتهم في المدرسة، ونسمع منهم مراراً وتكرراً هذه العبارة: " كم هو ممل هذا العمل ".  وإذا سألت طفلاً ذا اضطراب نقص الانتباه عما لا يحب في المدرسة، لأجابك " العمل".  ويواجه هؤلاء الأطفال توتراً وإجهاداً كبيرين في محاولتهم المكوث على الأعمال المطلوبة منهم داخل المدرسة، فهم يناضلون ضد مشكلة خفية لا يستطيعون فهمها.  وعندما يكبر هؤلاء الأطفال، يساورهم شعور بأنهم أغبياء، وغالباً ما يتهمون بأنهم كسالى.  ومن الواضح ان خبرة منتظمة كهذه تدمّر تقدير الذات لديهم .

ومن ناحية ثانية، فإن ما يشوش الصورة هنا هو أن كثيراً من الأطفال ذوي النشاط الزائد " يستطيعون أن يوجهوا انتباههم  ( أو يجلسوا دون حراك ) لفترة محدودة من الوقت.  وتعتمد قدرتهم على ذلك على كونهم موجودين في أوضاع لها واحدة أو أكثر من المميزات الأربع التالية:
1) الحداثة أو الجدّة.
2) قيمة عالية التشويق.
3) التخويف أو الترويع.
4) كونه جالساً على نحو فردي مع راشد .
فهذه القدرة المؤقتة للطفل ذي اضطراب نقص الانتباه في ظهوره على نحو طبيعي تماماً يمكنها أن تبدو مثيرة للدهشة والاستغراب للأشخاص الذين رأوهم في حالة النشاط الزائد.  وبإمكانها أيضاً أن تنتج تشخيصاً خاطئاً! ومن الأمثلة على هذه الأوضاع الفريدة : زيارة إلى الطبيب، مشاهدة التلفاز، الاختبارات النفسية، الذهاب مع والده إلى لعبة كرة قدم .

والطريقة الأخرى في النظر إلى مشكلة الانتباه هي " القابلية للتشتت " : أي سهولة صرف انتباه الطفل عن المهمة بمثيرات أخرى.  وعلى العموم، تأتي مشتتات الانتباه في أشكال أربعة، هي : بصرية، وسمعية، وجسمية، وخيالية.

2. الاندفاعية:
ومعناها " تصرف دون تفكير" ؛ وهو نوع من عمل ما يخطر في ذهنه دون اعتبار للعواقب المترتبة على ذلك.  وتتراوح الأعمال المتهورة التي يقوم بها الأطفال ذوو اضطراب نقص الانتباه من الأمور البسيطة أو التافهة إلى الأمور الخطرة جداً.

فكثير من الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه عملوا على حرق بيوتهم من خلال لعبهم بعيدان الثقاب.  بل إن بعضهم شارفوا على الغرق بسبب تصرفاتهم المتهورة .

وبإمكان الاندفاعية أن تعيق التفاعلات الاجتماعية للطفل ذي اضطراب نقص الانتباه.  فعندما يحبطون يبدأون بالصراخ على أطفال آخرين، وحتى أنهم أحياناً يضربون زملاءهم أو يدفعونهم فيسقطونهم أرضاً في محاولة منهم الوصول إلى أهدافهم.



3. صعوبة تأجيل المتعة ( عدم الصبر ):
ويبدو هذا للآباء وكأن الطفل يقول لهم، عملياً " أريد ما أريد عندما أريد"  وهذا يعني ( الآن ) – وإذا لم تعطني ما أريد فسترى ثورة غضبي التي تستمر حتى تقرر إعطائي إياه.  وتتجلى هذه الصعوبة في المدرسة بطرق عديدة.  منها خطهم اليدوي السيئ أو في أعمالهم غير المنتظمة أو المرتبة .

4. النشاط الزائد :
النشاط الزائد عرض محتمل جداً لاضطرابات نقص الانتباه، وبخاصة لدى الأطفال الأصغر عمراً قبل مرحلة المراهقة.  وغالباً ما يصف الآباء الطفل بأنه دائم الحركة.  أو انه " يبدو وكأنه مساق بمحرّك " .

وهناك نقطتان يجدر ذكرهما، أُولاهما، أنه حتى من بين الأطفال الذين هم ذوو نشاط مفرط، فإن النشاط المفرط يتناقص مع بدء مرحلة المراهقة وهذا لا يعني بأن أعراض اضطراب الانتباه قد اختفت. وثانيهما، فإن النشاط الزائد غير ثابت؛ فبإمكان هؤلاء الأطفال أن يجلسوا دون حراك في أوضاع جديدة عليهم.  وهنالك القليل من الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه الذين لا يمكنهم أن يجلسوا بهدوء ودون حركة غير هادفة .

5. فرط الإثارة الانفعالية
وهنالك عرض غريب ولكنه مثير للاهتمام ألا وهو حدّة المشاعر التي تتجاوز الحدود الطبيعية.  والانفعالان الشائعان هنا
‌أ. السعادة أو الإثارة، في الجانب الإيجابي .
‌ب. الغضب، في الجانب السلبي.


6. عدم الامتثال للقوانين :
يواجه الأطفال ذوو اضطراب نقص الانتباه وقتاً عصيباً في اتباعهم القوانين خشية إجراءات تأديبية شديدة.  والغريب في ذلك أنهم يحفظون هذه القوانين عن ظهر قلب وبإمكانهم تسميعها، ولكنه ينسونها عند التطبيق.

ويتضمن عدم الامتثال للقوانين سلوكاً عدوانياً.  فالطفل ذو اضطراب نقص الانتباه غالباً ما يتحدّى الأنظمة المدرسية بالإعتداء على الطلبة الآخرين.

وكذلك فإن عدم الامتثال السلبي يمكن أن يكون مشكلة.  فنظراً لأن الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه معروفون بفوضويتهم، ونسيانهم، وصعوبة تأجيلهم للذاتهم فإن هؤلاء الأطفال لا يقومون بتنظيف غرفهم، ولا يقومون بالأعمال الموكولة إليهم، كما أنهم لا يحلون الواجبات البيتية .

7. المشكلات الاجتماعية:
يواجه معظم الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه وقتاً عصيباً في الانسجام مع الأطفال الآخرين، وبخاصّة أولئك الذين هم في عمرهم الزمني.  فهؤلاء الأطفال حادّون جداً، وعدوانيون، ويحبون أن يملوا شروطهم على الآخرين ، ولذلك يواجهون مشكلات اجتماعية متعددة تجعل الآخرين ينفرون منهم ولا يتفاعلون معهم .

8. عدم التنظيم :
إذا كانت لدى الطفل ذي اضطراب نقص الانتباه جميع " الأعراض " التي تم ذكرها سابقاً، فستبقى لديه صعوبة تعلم أيضاً في التنظيم، ولذا هذا العرض الأخير يتشابك مع بعض الأعراض الأخرى، فالأطفال ذوو اضطراب نقص الانتباه نسّاؤون، ويفتقدون متابعة الوقت، ويفقدون الأشياء التي تخصهم .
ويبدو أن الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه ينسون كل شيء.  إذ ينسون ما كانوا درسوا الليلة الماضية لامتحان في مادة التربية الاجتماعية.  وهم باستمرار يفقدون كتبهم المدرسية، وملابسهم، وساعاتهم، وحتى أنهم ينسون لعبهم.
وكذلك فإن لدى الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه إحساساً ضعيفاً بالوقت والمكان.  إذ لا يصل هؤلاء إلى بيوتهم في الوقت المحدد حتى وإن كان لديهم ساعات يد .

أسباب اضطراب نقص الانتباه :
خلال السنوات الماضية، أثير الكثير من الجدل حول ما يسبب اضطراب نقص الانتباه.  ومع أن هذه المسألة لم تحسم بالضرورة، إلاّ أنه يبدو أن هنالك اتفاقاً عاماً متنامياً حول ما يسبب هذا الاضطراب وما لا يسبّبه .

ما الذي لا يسبب اضطراب نقص الانتباه ؟
لم يعد الخبراء يعتقدون بأن التنشئة الوالدية السيئة تسبب هذا الاضطراب.  ومع أن الصعوبات الناجمة عن معاملة الأم وحتى الإساءة إلى الطفل قد تتسبب بمشكلات عدّة، إلاّ أنها لا تولّد مجموعة محددة من الخصائص التي تعد أسباباً لاضطراب نقص الانتباه.  وبكلمات أخرى، لا يوجد اعتقاد بين الخبراء في هذا المجال بأن الأطفال " يتعلمون " أن يكونوا ذوي اضطراب نقص الانتباه.

ولسوء الحظ ، فإن الفكرة القائلة – " الآباء الحمقى يخلّفون أبناء حمقى " – لا زالت شائعة في الوقت الحاضر.  فهذه النظرية، التي يمكن تسميتها النظرية الدينامية الأسرية أو النظرية النفسية أو النظرية النفسية الوراثية تحدث قدراً كبيراً من الشعور بالذنب لدى الآباء.

وكذلك فإن التلف الدماغي لا يسبب مشكلات اضطراب نقص الانتباه لدى معظم الأطفال.  وهنالك نسبة صغيرة فقط من الأطفال ذوي النشاط الزائد الذين يظهرون شواهد على تلف بنيوي في الجهاز العصبي المركزي.  والمثير للدهشة أن أقل من 10% من الأطفال الذين لديهم شواهد ثابتة على التلف الدماغي يظهرون نشاطاً زائداً.  وهاتان الحقيقتان هما السببان الرئيسيان وراء إهمال المصطلح القديم " تلف دماغي طفيف " .
وخلافاً لادعاءات فينجولد  Feingold ، فإن الغذاء لا يحدث اضطراب نقص الانتباه.  فقد أخفقت الأبحاث العديدة باستمرار في دعم الفكرة القائلة بأن الملونات الصناعية، أو النكهات ، أو الساليسيت الطبيعية تحدث اضطراب نقص الانتباه أو صعوبة تعلّمية لدى أغلبية الأطفال .

وكذلك، خلافاً للاعتقاد السائد، فإن السكر لا يسبب نشاطاً زائداً.  بل إن الكميات الكثيرة من السكر تقلّل النشاط الزائد ويضّر بعملية التركيز لدى الطفل.

ما الذي يسبب اضطراب نقص الانتباه ؟
هنالك فكرتان مرتبطتان ببعضهما إلى حد ما.  أولاهما هي أن اضطراب نقص الانتباه يتولد، في الغالب، نتيجة عدم اتزان بيوكيميائي في الدماغ.  إذ يبدو أن هنالك نقصاً في قدرة الدماغ على إنتاج أو استخدام مواد كيميائية تدعى " النواقل العصبية " التي تستخدمها العصبونات في الاتصال مع بعضها البعض وإرسال الرسائل.  فنقص هذه النواقل العصبية يؤدي إلى تدني إثارة دماغ الطفل، وبالتالي فإن ذلك يقلل من تنظيم الدماغ للنشاطات الخاصة به، مثل الانتباه.

والفكرة الثانية حول أسباب اضطراب نقص الانتباه تتعلق بشذوذ محدد في الدماغ قد يكون مرتبطاً باضطراب نقص الانتباه.  فقد وجد الدكتور آلان ذاميتكن ( 1990) أن أَيْض الجلوكوز  glucose metabolism  في أدمغة ذوي اضطراب نقص الانتباه أقل من المستوى الطبيعي بدرجة كبيرة، وهذا النشاط الأيضي المنخفض أثّر على نحو خاص على منطقتين رئيسيتين في الدماغ معروف بأنهما متصلتان بالقدرة على توجيه الانتباه والقدرة على تنظيم القدرة الحركية .  فقد ظهر بالتصوير بانبعاث البوزيترون أن القشرة قبل الحركية والقشرة قبل الجبهية كانتا أقل نشاطاً لدى ذوي اضطراب نقص الانتباه.
وأشارت أبحاث أخرى إلى أن اضطراب نقص الانتباه وراثي على الأغلب.  وهذا يتضح من الحقيقة القائلة بأن أكثر من ثلث آباء الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه هم أنفسهم كانوا ذوي اضطراب نقص الانتباه.

تشخيص الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه:
إن تشخيص اضطراب نقص الانتباه لدى الطفل يتطلب تعاون العديد من المختصين ليعملوا معاً كفريق تشخيصي لتقييم المعطيات الطبية، والنفسية، والسلوكية، والتربوية، ولا يوجد فحص واحد قادر على تشخيص هذا الاضطراب بصورة موثوق بها.  وعلى أية حال، هنالك إجراءات تشخيصية متنوعة تقرر معاً وجود هذا الاضطراب أو عدم وجوده.  وفي أحيان كثيرة، تتضمن العملية التشخيصية تقييماً طبياً يجريه طبيب الأطفال أو طبيب الأعصاب، وكذلك  تتضمن تعبئة سلالم تقدير من قبل والدي الطفل ومعلّميه، وتقييماً نفسياً وتربوياً لتقرير بعض الخصائص من مثل الاندفاعية، والقدرة العقلية، ومستويات التحصيل الدراسي.

وتمر عملية التشخيص بمرحلتين، هما : جمع البيانات، ووضع  البيانات معاً وتكاملها لاتخاذ قرار حول وجود هذا الاضطراب أو نفيه.

التشخيص1   : جمع البيانات
وتتضمن عملية التشخيص الخطوات التالية :
1. مقابلة مع الوالدين أولاً ( ما لم يكن الطفل قد بلغ الثالثة عشرة من عمره فأكثر ).
لتغطية المشكلات الحالية، والتاريخ التطوري، والتاريخ الأسري، والتخطيط لبقية اجراءات التقييم .
2. مقابلة مع الطفل للحصول على كمية من المعلومات يرغب في إعطائها عن البيت، والمدرسة، والعلاقات الاجتماعية، ولنفي وجود أي مشكلات محتملة مثل العصاب أو الاكتئاب( وهذه يمكن ملاحظتها مباشرة أحياناً ).
3. بعض سلالم التقرير، مثل استبيانات كونر، والتي تصف العمل في البيت والمدرسة والتي يمكن وضع علامات لها باستخدام معايير العمر والجنس، وكذلك استبيانات باركلي للأوضاع البيتية والمدرسية .
4. جمع بعض البيانات من المدرسة، مثل الدرجات، وعلامات الاختبارات التحصيلية، والإحلال الحالي .
5. الاختبارات النفسية لنسب الذكاء والكشف عن الصعوبات التعلّمية مفيدة أحياناً.
6. الفحوص الجسمية والعصبية .

1) مقابلة  الوالدين :
تعتبر مقابلة الوالدين أكثر مصادر المعلومات حيوية ولذا ينبغي أن تؤخذ بجدية كبيرة.  وأول موضوع يثار مع الوالدين هو سبب حضورهما إلى مكتب الفاحص. ويتضمن نموذج المقابلة أسئلة حول الصعوبة التي يواجهها الطفل في تأخير المتعة أو الإشباع، وتدني التحصيل المدرسي، والسلوكات السيئة، والصعوبات البيتية الناجمة عن العيش مع هذا الطفل.

وبعد تحليل مفصّل للمشكلات الحالية، ينبغي أن يجري التاريخ التطوري.  وعند القيام بالكشف عن  اضطراب نقص الانتباه، ينبغي أن يتضمن التاريخ أكثر من مجرد معالم تطورية عادية، مثل متى بدأ الطفل المشي أو الكلام.  ولما كان الكثيرون من المختصين يشعرون بأن أعراض اضطراب نقص الانتباه يمكن أن تظهر لدى 60% إلى 70% من الأطفال ذوي النشاط الزائد في حوالي السنتين من العمر، لذا ينبغي على المقابل أن يتساءل حول تطور أعراض اضطراب نقص الانتباه التي تم ذكرها سابقاً، مثل (الاندفاعية، والنشاط الزائد، وعدم الصبر، وفرط الإثارة الانفعالية، وعدم الامتثال، والعدوان الاجتماعي).  وتعد والمعلومات حول الحمل، والمخاض، والولادة، مناسبة أحياناً، نظراً لأن هنالك احتمالية بأنه في بعض الأوضاع قد يؤدي أذى ما قبل الولادة إلى حدوث اضطراب نقص الانتباه.

ويعطى الآباء استبانات كونر واستبانات باركلي للأوضاع البيتية والمدرسية ليقوموا بتعبئتها وليقوموا بتسليم المعلمين النماذج الخاصة بهم .

2) مقابلة الطفل:
عند مقابلة الطفل في المرة الأولى، ينبغي أن لا يتوقع الفاحص أن يرى أعراض النشاط الزائد لديه.  وبالتأكيد هنالك بعض الأطفال الأصغر عمراً الذين لا يستطيعون الجلوس هادئين والذين يكونون في حركة دائمة ويثرثرون باستمرار.  وتهدف مقابلة الطفل إلى نفي الاضطرابات الخطيرة، مثل العصاب، وملاحظة رغبة الطفل في الحديث، وأخذ معلومات حول الطريقة التي يشعر فيها الطفل نحو المدرسة، والبيت، والحياة الاجتماعية .

3) سلالم التقدير:
هنالك بعض سلالم التقدير الجيدة لاضطراب نقص الانتباه.  ولا تزال سلالم التقدير ل (كونر) أكثر شيوعاً.  وقد تمّت مراجعة استبانة الوالدين لتضم 48 فقرة تصف سلوكات أو خصائص مختلفة ولسلم التقدير هذا معايير عمرية وجنسية.

وأما استبانة كونر للمعلم فقد تمّت مراجعتها لتتضمن ثمان وعشرين فقرة.  وكذلك لهذا السلم معايير وفقاً للعمر والجنس .

4) معلومات أخرى من المدرسة :
إن جمع معلومات مدرسية أخرى، إضافة إلى انطباعات المعلمين، ليس بالعمل السهل دائماً، ولكنه أمر مهم جداً.  واضطراب نقص الانتباه هو حالة تبدأ في فترة مبكرة من الحياة،  ولذا فإن معظم الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه لديهم مشكلة مع المدرسة لوقت طويل.  وعادة ما تكون مشكلات ما قبل المدرسة سلوكية.  أما مشكلات المرحلة الابتدائية فتتضمن غالباً كلا من السلوك والتركيز .

وعلى الفاحص أن يطلع على درجات الطفل في المدرسة وعلى التقارير المدرسية عنه.  وكذلك تجمع علامات الاختبار التحصيلية.  ولما كانت الاختبارات التحصيلية تطبق جماعياً، فعادة ما يكون أداء الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه عليها ضعيفاً بل وأدنى من أدائهم في الاختبارات التي تطبق فردياً.  ولذا، فإن علامات الاختبارات التحصيلية لكثير من الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه لا تعكس القدرة الكلية لديهم.
ويلاحظ أيضاً الإحلال الحالي للطفل في المدرسة.  فإذا كان الطفل يتلقى خدمات التربية الخاصة كما هو الحال في غرفة المصادر، فإننا نجمع أيضاً الاختبارات النفسية والمعلومات من معلم غرفة المصادر.

5) الاختبارات النفسية :
يستخدم إما اختبار ستاتفورد بينية، أو مقياس وكسلر لذكاء الأطفال، أو مقياس وكسلر لذكاء الراشدين.  وتعدّ معرفة القدرة العقلية للطفل مهمة لأسباب عديدة :-
‌أ. يخبرنا نسبة الذكاء ما يمكننا توقعه من الطفل وإلى أي مدى تحصيله متدن.
‌ب. تُعدّ نسبة الذكاء جزءاً ضرورياً لتعريف الصعوبة التعلّمية .
‌ج. تعد نسبة الذكاء مؤشراً رئيسياً للتكهن بالاتجاه المحتمل الذي يتخذه اضطراب نقص الانتباه.
‌د. بإمكان مستويات نسب الذكاء العالية أن تعدّل صورة أعراض اضطراب نقص الانتباه بكف سلوك النشاط الزائد بدرجات متفاوتة في المدرسة .

6) الفحوص الجسمية والعصبية :
تماماً كما أنه لا يوجد اختبار نفسي محدّد لاضطراب نقص الانتباه، فإنه لا يوجد فحص جسمي محدّد لهذا الاضطراب.  ومن ناحية ثانية، من المهم أن نعرف فيما إذا كان الطفل في صحة جيدة أم لا وفيما إذا كانت أجهزته الحسّية سليمة أم لا.  وفيما عدا ذلك، فإن الفحوص الجسمية والعصبية تسهم على نحو أقل من المتوقع في تشخيص اضطراب نقص الانتباه.  ويمكن أن يكون دور الطبيب هو في استبعاد أسباب جسمية محتملة أخرى، مثل تسمم الرصاص أو مشكلات الغدة الدرقية، وللتوصية بإجراء فحوصات أخرى قد تكون مفيدة .

وليس الفحص العصبي ضرورياً في العادة، مع أن كثيراً من الأشخاص – الذين لا يزالون يفكرون بلغة ( التلف الدماغي الطفيف ) -  يشعرون بأن الإحالة إلى طبيب أعصاب أمر ضروري.  وبإمكان اختصاصي الأعصاب أن يشخص " الاشارات العصبية الخفيفة " مثل مشكلات تناسق الحركات الدقيقة، أو الانسياب الحركي، أو سلوكات التلبّث.

وهذه ، على أية حال، هي مجرد ارتباطات عرضية لاضطراب نقص الانتباه ويمكن أن تظهر لدى الأطفال العاديين أيضاً، ولذا فإن قوتها التميزية في التشخيص ليست كبيرة جداً.  مع أن بعض ذوي اضطرابات نقص الانتباه يظهرون شذوذات في النشاط الدماغي الكهربائي، مثل الزيادة في نشاط الموجة البطيئة، فإن الكثير من ذوي اضطرابات نقص الانتباه لديهم نشاط دماغي كهربائي عادي .

التشخيص2   : وضع المعلومات أو البيانات التي يتم جمعها مع بعضها                                               وتكاملها.
نظراً لأن هنالك درجات متفاوتة من الشدة لاضطراب نقص الانتباه، ونظراً لأنه لا يوجد إجراء أو فحص تشخيصي واحد محدّد، فإن التقرير النهائي فيما إذا كان الطفل ذا اضطراب نقص الانتباه أم لا يجب أن يعتمد على تكامل جميع البيانات التي تمّ جمعها ثماني خطوات تكاملية :
الخطوة الأولى  : مطابقة المشكلات  الحالية مع أعراض اضطراب نقص الانتباه السابق                    ذكرها.

الخطوة الثانية   : مطابقة التاريخ التطوري بالمسار المثالي لاضطراب نقص الانتباه غير                    المعالج .

الخطوة الثالثة  : فحص التاريخ السريري .

الخطوة الرابعة : هل المعلومات المستمدة من الطفل منسجمة مع أعراض اضطراب نقص                 الانتباه.

الخطوة الخامسة : هل علامات الطفل على استبانات كونر تتجاوز المعايير المعتمدة وفقاً                    للعمر أو السن .

الخطوة السادسة : هل أكثر من 50% من الأوضاع مخصص كمشكلات في استبانات                  الأوضاع البيتية أو المدرسية.

الخطوة السابعة : هل المعلومات المدرسية والمعلومات المستقاة من الاختبارات تدعم                   الفكرة القائلة بأن الطفل لا يعمل وفق طاقاته وقدراته .

الخطوة الثامنة : هل الآباء – بعد أن يحضروا حلقة دراسية حول اضطراب نقص الانتباه،                  أو يقرؤوا كتاباً عنه أو يشاهدوا شريط فيديو -  يشعرون بأن لدى طفلهم اضطراب نقص الانتباه.


إدارة اضطرابات الانتباه:
يجب تخطيط المعالجة بحيث تواجه الأعراض الفريدة والمشكلات الظاهرة على الطفل.  وتعتبر المتابعة والمراقبة الدقيقتان لفاعلية هذه المعالجة حاسمتين.  ورغم الحاجة إلى الأساليب الفردية في المعالجة فإن ثمة أساليب عامة متعددة تتناول بفاعلية كثيراً من الخصائص الأولية الشائعة لاضطرابات الانتباه .

وتكمن أسس الإدارة الناجحة في التشخيص الدقيق، والاهتمام بالظروف الأساسية أو المرافقة للحالة، والوصف المفصّل للصفحة النفسية (  Profile ) للطفل فيما يتعلق بالصعوبات ومناحي القوّة.  ويضاهي ذلك في الأهمية، تثقيف أو توعية من لهم دور رئيسي في عملية الإدارة، وبخاصة الطفل وأسرته، وذلك لإزالة التخبط والتعليل السلبي للحالة.  وتكون المعالجة متعددة الأبعاد وينبغي أن يتحقق فيها التكامل بين البيت والمدرسة وأية أوساط لها علاقة مباشرة معه.


التدخلات البيتية :
تستلزم التدخلات البيتية عنصرين رئيسيين، هما :-
1. تعديل الروتين أو البيئة اليومية بغرض التكيف مع التحديات الفريدة للطفل .
2. تنفيذ تقنيات إدارة السلوك لتغيير أنماط القصور الوظيفي التي قد تكون طوّرت سابقاً.  وقد يكون من بين التكيفات الواجب إجراؤها عدم إشراكهم في عمليات التسوّق الطويلة أو النشاطات ذات الإثارة المفرطة.  وينبغي أن يكون الروتين اليومي قابلاً للتنبؤ به ( وقت النوم، الروتين الصباحي، أوقات الطعام، وفترات محددة للعب والواجب البيتي).  وكذلك ينبغي تجزئة المهمات البيتية المخصًّصة له إلى عناصر فرعية ليتّم إكمالها بأسلوب متدرّج، مع إعطاء التعليمات بصورة فردية لكل عنصر ( ويفيد استخدام البيانات التوضيحية والمعينات البصرية الأخرى ).  ومن الضروري أن يصار إلى التحديد الواضح لسلوك المقبول وحدوده، وأي تجاوز له، ينبغي أن يرد عليه بشكل ثابت وفوري.
وتتضمن الأساليب السلوكية ما يلي :-
1) التعزيز الإيجابي، الذي يتراوح بين الثناء اللفظي أو الاحتضان، إلى الأشياء المحسوسة مثل الملصقات التي تثبت على الدفاتر أو الكتب.
2) النمذجة، التي تتضمن أمثلة يقدمها الآباء وتتجسد في أنماطهم السلوكية أو إطراء أطفال آخرين على سلوكات معينة قاموا بها ، على أن تكون قدوة للطفل .
3) العقابيل السلبية للسلوك غير المقبول، مثل " تعليق وقت اللعب أو تعطيله " وكلفة الاستجابة المترتبة على ذلك ( يعمل الطفل على المحافظة على التعزيزات التي تقدم له عند البداية مثل العملات الرمزية أو النقود الحقيقية، ولكنه يفقد قطعة نقدية رمزية مع كل خرق أو انتهاك ).  ويعتبر هذا الإجراء فعّالاً حتى عمر 12 سنة.

وعند التعامل مع المراهقين، ينبغي تعديل هذه التدخلات للسماح لهم بمشاركة أكثر فاعلية في تخطيط القوانين وتبعاتها.   وينبغي أن يحذّر الآباء مسبقاً من أنه عندما يبدأ بالتدخلات السلوكية لأول مرة غالباً ما تشتد المشكلات السلوكية قبل حدوث التحسّن فيها.  وهناك عدد من برامج الآباء والكتب المفيدة بهذا الخصوص، ولكنها ليست بديلاً تاماً عن الإرشاد والاستشارة الفرديين .

وتفقد البرامج السلوكية فاعليتها خلال الوقت، لذا فإن هناك حاجة للإبداع، والابتكار، ومقادير هائلة من الطاقة.  ويعتبر الإرشاد التوقّعي والاجتماعات الفترية ( على فترات ) مع الأسرة لمراجعة التقدّم واقتراح تعديلات بسيطة أمراً مهماً.  ولما كانت الطاقة الإضافية اللازمة لتلبية حاجات الطفل ذي اضطراب الانتباه تقتطع من الوقت الذي ينبغي أن يمضي مع إخوته، كان لا بد من أن ينصح الآباء باتباع إجراءات معينة لتجنّب المشكلات التي قد تنتج، وتكريس وقت خاص يهتمون فيه بالإخوة .

ويعتبر الواجب البيتي مجهداً، لذا فإن الاتصال الوثيق بين المعلمين والآباء مهم. وتتضمن الأساليب الفاعلة استخدام دفاتر التعيينات أو بطاقات التقرير اليومي، وركنا هادئاً يخصص للواجب البيتي، بحيث يكون هذا المكان خالياً من المشتتات الخارجية، وتطوير خطط محددة لتجزئة التعيينات إلى عناصر فرعية، وتتخلّلها فترات راحة كل عشر أو خمس عشرة دقيقة .

التدخّلات الصفّية :
يستطيع طبيب الأطفال لعب دور مهم في تثقيف العاملين في المدرسة باستخدام التقارير، أو الاتصال مع معلّم الصف الذي يوجد فيه الطفل، أو حضور مجالس المعلمين وغيرها من الاجتماعات المدرسية ذات العلاقة .

وتتضمن أساليب الإدارة الصفّية أيضاً تعديل البيئة، وتكثيف التوقعات وتعيين السلوكات السلبية المحدّدة.  ومن هذه الأساليب ما يلي :-
1. إجلاس الطفل في مكان بعيد عن المشتتات الخارجية حيث يستطيع المعلم الجزم بسرعة فيما إذا كان منتبهاً أو لا، ويفضل أن يكون ذلك في المقاعد الأمامية .
2. تعديل الروتين الصفي لتمكين الطفل من النهوض على فترات والتجوّل في الغرفة الصفية ( مثلاً، تنظيف السبورة أو توزيع الأوراق ).
3. استخدام تعليمات مختصرة مصحوبة بمعزّزات بصرية حيثما أمكن.
4. توفير تركيز متكرر للاستمرار في المهمّة مع تجنيب الطفل أي حرج.   ولذا فإن تطوير مشعرات " خفيّة " أو إشارات " سرية " بين المعلم والطفل مهم.  وإن مدرّبات الانتباه ( التي تمكن المعلم من الإشارة عندما لا يكون الطفل منتبهاً من خلال جهاز على المقعد ) متوفرة تجارياً، مع أن الأساليب الأبسط قد تضاهيها من حيث الفاعلية .
5. جعل عواقب السلوك السيء فورية، كاستخدام نظام كلفة الاستجابة .
6. توفير فرص صفية يتذوق فيها الطفل لذة النجاح، وذلك بالتركيز على نواحي القوة لديه والإفادة مها، كأن يسمى الطفل " خبير الصف " في بعض الجوانب أو الحقول الدراسية .
ومع أنه يمكن التعامل مع معظم الأطفال ذوي اضطرابات الانتباه في الموقف الصفي العادي، إلا أنه حين تلتزم الحاجات السلوكية أو الأكاديمية إلى مزيد من العناية، فإن أمر إحلالهم في صف أصغر، طوال اليوم أو جزءاً منه بهدف التركيز العلاجي ومنحه الوقت الوافي يصبح أسلوباً ضرورياً.  هذا فضلاً عن أن صعوبات التعلم المصاحبة قد تتطلب إحلالاً خاصّاً في غرفة المصادر .

التدخلات الدوائية :
لقد أصبح اللجوء إلى العقاقير أسلوباً شائعاً في علاج اضطرابات الانتباه.  غير أن أخذ القرار باستخدام دواء ما لتغيير السلوك يدعو إلى مزيد من التفكير واعتبار بصير بالمخاطرة والجدوى.  إن الفاعلية الفورية للعقاقير المنبهة في زيادة القدرات الانتباهية والإقلال من الاندفاع مؤكدة تماماً، إذ يتناقص السلوك الفوضوي، وتتحسن الإنتاجية الدراسية.  وقد خلصت دراسات حديث إلى أن آثاراً مفيدة تعكس أيضاً على المراهقين.  أما بالنسبة للتأثيرات بعيدة المدى فلا يقوم عليها إلا قليل من الشواهد. ومهما يكن الأمر لا يجوز استخدام الدواء كعلاج وحيد أو بديل لأية تدخلات علاجية أخرى، هذا إلى أنه لا يجوز أن يكون العقار هو الخيار الأول في العلاج إلا في حالات استثنائية محددة.  وبخاصة أن نحواً من 25% من الأطفال ذوي اضطرابات الانتباه لا يستجيبون للمعالجة العقاقيرية، وأن نسبة من استجابوا لها استجابة معتدلة لا تتجاوز 18%.  وعلى الطبيب أن يتذكر أن الدواء قد لا يعالج جميع أعراض اضطرابات الانتباه.  وعليه أن يتابع التحسن في الأسباب التي دعت إلى استخدام الدواء.  هذا وتقتضي الضرورة إعادة التقييم دورياً لبيان مدى الحاجة إلى الاستمرار في العلاج، على أن يتم ذلك بشكل سنوي على الأقل .

ويجب أن يجري خلال المعالجة تقييم نقدي لتصوّرات القائمين على هذه العملية.  ويجب أن يكون الطفل والمراهق مشاركاً راغباً في العلاج الدوائي، ومزوداً بمعلومات عنه، ومدركاً الحاجة إلى هذا العلاج وألاّ ينظر إليه كشكل من أشكال العقاب، ذلك أن الخضوع الطويل الأمد للعلاج الدوائي يتفاوت من شخص إلى آخر، ولكن يمكن تغطيته ( زيادته إلى الحد الأقصى ) باتباع المبادئ التي ذكرت سابقاً .

وينبغي اللجوء إلى التجربة في استخدام العلاج، فهو غالباً ما ينفذ في ظل ظروف غير واضحة من الجرعات الدوائية وسلاسل متنوعة من المواقف المشكلة.  ولهذا يحسن البدء بإعطاء الدواء بعد أن تكون سلالم تقدير موجهة للآباء من جهة والمعلمين من جهة أخرى قد طبقت واعتبرت أساساً قاعدياً، وبعد أسبوعين إلى أربعة أسابيع من المعالجة الدوائية يعاد إلى تطبيق هذه السلالم ويلاحظ ما إذا طرأ تحسن وفي أي مجال .

ويستلزم التأثير القصير الأجل للأدوية المنبّهة الشائعة الاستخدام أخذ قرارات بخصوص توقيت الجرعات، ذلك إنه لم يعد ثمة مكان للنظرة التقليدية التي تقصر استخدام الدواء على تحسين الأداء المدرسي.  فاضطرابات الانتباه يمكنها التأثير على وظائف متعددة.  فإذا أسيء إلى التفاعلات الأسرية بسبب مشكلات الطفل الانتباهية ، فإن استخدام الأدوية خلال عطل نهاية الأسبوع وخلال الأيام الدراسية يعتبر إجراء مناسباً.
ومن الأمور المفيدة أن يبدأ الأطفال الخاضعون للعلاج الدوائي عامهم الدراسي الجديد دون تناول أي دواء لتقييم ما إذا ما زال هذا الدواء ضرورياً لهم. ولما كان بدء العام الدراسي الجديد يتطلب إجهاداً خاصاً في القدرات الانتباهية والتنظيمية، فإنه يفضل تنفيذ هذا التوقف عن أخذ الأدوية بعد شهر أو أكثر من بدء العام الدراسي.

تدريب المهارات الاجتماعية :
يحظى هذا التدخل العلاجي باهتمام متزايد كأسلوب علاجي ذي إمكانية محتملة.  ومع أن الفائدة الشاملة لهذا الأسلوب لم تؤسس بعد ( بصورة خاصة بخصوص تعميم المكاسب) إلاّ أنه لا يزال أسلوباً واعداً.  ويستلزم تدريب المهارات الاجتماعية خطوات وأهداف محددة كتعلم كيفية الإصغاء والمشاركة في المحادثة، والانضمام إلى مواقف جماعية، والتعبير عن المديح والنقد وتقبّلهما، والتغلب على الإحباط.  ويمكن تعليم هذه المهارات فردياً أو، على نحو أفضل، في مواقف جماعية صغيرة بما في ذلك لعب الأدوار، ويمكن للبرامج المدرسية توسيع الإفادة من مثل هذه المواقف .

تدريب إدارة السلوك الوالدي:
توفر برامج التدريب هذه وسائل منظمة للآباء لتعلم أساليب سلوكية، وقد تأسس في هذا المجال عدد من مجموعات الدعم الوالدية ولبعض هذه المجموعات مراكز رئيسية على المستوى الوطني مع فروع محلية.  ومع أن بإمكان هذه المجموعات أن تكون مفيدة في الدفاع عن هؤلاء الأطفال في توفير الدعم والمعلومات لآبائهم، إلاّ أن تنافر الحالة وعدم تجانسها يضعف من إمكانية وجود أساليب موحّدة .

العلاج النفسي:
يمكن بهذا الأسلوب تقديم الفائدة  في الحالات الفردية مثل المراهق الذي له تاريخ طويل من المشكلات الدراسية والسلوكية وما ينجم عنها من تقدير منخفض للذات أو اكتئاب.  وبالمثل، يستطيع العلاج الأسري تقديم المساعدة إذا كانت أنماط التفاعل الأسرية مختلة وظيفياً مما يعمل على إدامة مشكلات الانتباه وتحطيم العلاقات الأسرية بشكل كبير .

التدريب المعرفي:
استخدم هذا النمط من أنماط التدخل للمساعدة في تطوير مهارات الضبط واستراتيجيات التفكير التأملي لحل المشكلات.  وتتضمن الأساليب المستخدمة التدريب على التعلم الذاتي والتعزيز، والنمذجة المعرفية .  ومع أن هذا المنحنى العلاجي ذائع على نحو واسع، إلاّ أن دراسات الفاعلية حتى هذا التاريخ لم تظهر دعماً تجريبياً قليلاً لفائدته العيادية .

وختاماً، يمكني القول : إن خطة معالجة متعددة الأشكال تتبع من أجل الحصول على علاج ناجح لاضطراب نقص الانتباه. ولذا فإن المختصين الذين لعبوا دوراً فاعلاً في عملية التقييم والتشخيص يمكنهم المشاركة في تنفيذ خطة العلاج.  وتقوم خطة العلاج على أربعة أسس هي :-
- الإدارة الطبية .
- الإرشاد النفسي.
- التخطيط التربوي.
- التعديل السلوكي .






المراجــع

الوقفي، راضي.  مقدمة في صعوبات التعلم. ط2. عمان : كلية الأميرة ثروت 1998.

الوقفي، راضي. علم النفس العصبي. ط1. عمان : كلية الأميرة ثروت 1996.

Mercer, Cecil, D. (1991) Students with Learning Disabilities, Fourth Edition, Macmillan Publishing Company, New York.

Parker, Harvey. ( 1988) The ADD Hyperactivity Workbook for parents, Teachers, and kids.  Impact Publications Inx.  Plantation, Florida.

Phelan, Thomas.  (1993) All About Attention deficit Disorder.  Child Management INC, Glen Ellyn Illinois.

Smith, Corinne & Strick, Lisa. (1999).  Learning Disabilities A to Z.  Fireside, New York.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقياس مايكل بست لصعوبات التعلم

الوعي الصوتي

صعوبات التعلم المحددة في الرياضيات